والدا – مايلز – اكتسبا الأمل والقوة من طفلهما الصغير

عندما تقابل مايلز تلاحظ لأول وهلة الطاقة الإيجابية التي يجلبها هذا الصبي الصغير ذو الخمس سنوات. فهو ولد ذكي وسيم، له ابتسامة ساحرة تخطف قلوب ناظريه. يتحدث مايلز أحيانا بهدوء وبصوت منخفض فيشجعه دائما والده إسحاق على رفع صوته إلى الأعلى. عندما يتحدث إلى الغرباء تجده صبيا وقورا واثقًا من نفسه، يتكيف بسرعة مع المواقف الجديدة. عندما كان عمره سنتين تم تشخيص إصابته بالسرطان لذلك لديه ذكريات محدودة عن الأيام الأولى من هذه التجربة ولذلك قص لنا والديه تجربته بالكامل.

التشخيص

في نوفمبر2016 ، جاء مايلز  مع والدته من كينيا  لزيارة  والده  الذي كان يعمل مشرفاً في مطار الدوحة.  وككان يبلغ من الغمر آنذاك عامين ، وبعد وصولهم بأسبوع، أصيب مايلز بالحمي. وصف له الطبيب بعض المضادات الحيوية. ولكن كانت المفاجأة، انقضى 10 أيام ولم تنحسر الحمى بعد. وبزيارة المركز الطبي، بدأ الأطباء إجراء عده اختبارات باستخدام العديد من أنابيب الاختبار لدرجة أن إسحاق كان يخشى أن تجف دماء ابنه ايلز. أكد له العاملون بالمستشفى أنه يتلقى بديلًا للسوائل لكنهم لم يخبروه بأنهم يشتبهون في شيء ما. وفي حوالي الساعة العاشرة مساءً، أبلغ أحد الأطباء إسحاق بأنهم يشتبهون بشدة في إصابة مايلز بسرطان الدم، وشرح الأطباء له كلمات بسيطة عن هذا المرض.

  صيب إسحاق بالصدمة، وتذكر كلماته الأولى التي وجهها إلى الأطباء: “أن هذا غير ممكن”. فقد كان يعتقد أن ذلك لا يمكن أن يكون صحيحًا لأن لم يعاني أحد من أفراد عائلته من ذلك المرض. أوصى الطبيب بأن يبدأ مايلز في اليوم التالي على الفور في العلاج الكيميائي. شكك إسحق في صحة النتائج، ولذلك قرر العودة مع مايلز إلى كينيا لإعادة الفحص. وقد حجز رحلة طيران في صباح اليوم التالي وغادر المستشفى مع ابنه. اتصل الطبيب بإسحاق في المنزل وطلب منه أن يعيد النظر في قرار العودة، واقترح أن يتأكد من صحة الاختبار في مستشفى محلي آخر. كان المنطق الذي استند إليه الطبيب هو أن العلاج المبكر سيكون أفضل لحالته. استمر مايلز في الإصابة بحمى شديدة طوال الليل.

 قرر إسحاق أخيرًا إلغاء خطة السفر والبحث عن مستشفى محلي لإعادة الاختبار. ولكن كانت المستشفيات مغلقة لأنه كان صباح يوم الجمعة. لذلك أخذ إسحاق مايلز إلى مركز السد لطوارئ الأطفال. تم تأكيد التشخيص الأصلي لمايلز لسرطان الدم الليمفاوي الحاد في قسم الطوارئ. شرح الأطباء مسار العلاج الكيميائي بصورة أكبر ، بما في ذلك الإقامة المتوقعة في المستشفى والآثار الجانبية المحتملة.

رحلة العلاج

دخل مايلز إلى مستشفى حمد العام في 31 ديسمبر 2016. كانت والدة مايلز لا تزال في حالة صدمة في ذلك الوقت وكانت تبكي كثيرًا. كانت تتساءل لماذا حدث هذا ،  ورد عليها إسحاق بإخبارها أن الآخرين يمرون أيضًا بتحديات مماثلة.

 شعر إسحاق بأنه مضطر لعدم البكاء أمام زوجته لأن ذلك يعني الانغماس في الحزن والارتباك، والأفضل أن يمنحها الأمل. يصف إسحاق ذلك الوقت بأنه أحد أصعب مراحل رحلة العلاج بالنسبة له ، حيث شعر بالمسؤولية لعدم السماح لعواطفه بالسيطرة عليه لدعم زوجته وعدم السماح لمايلز بالشعور بأن هناك شيء خطأ. ابتسم إسحاق وهو يقول ، “وهكذا قضينا ليلة رأس السنة في المستشفى.”

    كانت ورديات عمل الأب 12 ساعة. عندما تنتهي مناوبات إسحاق في الساعة الخامسة مساءَ يعود إلى البيت ليغير ملابسه. وبعد ذلك يعود إلى المستشفى ليبقى مع ابنه حتى الساعة الواحدة صباحاً ثم يعود إلى البيت ويستحم ويعود إلى العمل. وكانت  والدة مايلز تبقى مع ابنها طوال الوقت أثناء الإقامة بالمستشفى. ولأن أحد الآثار الجانبية التي كانت لدي مايلز هي فقدانه للشهية، كان دائما يحضر الطعام الذي يحبه مايلز. بدأت الأمور تتغير بشكل إيجابي للعائلة في يوليو 2018. وأبلغهم الأطباء بأن هذه هي آخر جرعة من الدواء الكيميائي. بعد ذلك كان عليهم أن يذهبوا إلي المستشفى بانتظام لمدة 6 أشهر للمتابعة والتأكد أن صحة مايلز على أفضل ما يكون.

أوقات عصيبة

كانت النقطة الصعبة التي واجهها الأب هي عندما بدأ أقرب صديق لمايلز، وجاره في المستشفى، يصاب بالحمى. وبحلول ذلك الوقت، كان والدا الطفلين قد أصبحا أيضا صديقين مقربين. كلما كان مايلز يصاب بحمى، كان والدا الطفل الآخر يؤكدون لهم أن مايلز سيتحسن، وبالفعل يتحسن. وبطبيعة الحال، دعم والدا مايلز أيضا والدا الطفل الآخر ووفروا لهما الأمل. ولكن هذه المرة استمرت الحمى لفترة أطول من المعتاد دون ان تنخفض.

وفي أحد الأيام ذهب والد مايلز إلى المستشفى ليجد سرير الطفل فارغًا. وعندما سأل عن السبب، عرف ان الطفل قد توفي. انعقد لسان إسحاق عن الكلام أمام والد الطفل الآخر ولم يستطع مواساته. فكل ما يدور في رأسه كيف سيتصرف لو حدث نفس الأمر لمايلز.

أسعد اللحظات

   وقعت أسعد لحظة في رحلة علاج مايلز بعد عملية البزل القطني. كان إسحاق وزوجته متأثرين للغاية لأنهم لم يتمكنوا من الانضمام إليه في غرفة الإجراءات. كان مايلز مرهقًا قبل أن يترك والديه لإجراء العملية. واستغرقت العملية ما يصل إلى 30 دقيقة. شعر الأبوين باللقلق من حدوث مضاعفات. ولكنهما اندهشا وأصابهما الذهول عندما جلبت الممرضات مايلز من غرفة الإجراءات إلى والديه كان أكثر نشاطا من قبل إجراء العملية. إسحاق يتذكر أنه نادى لأبويه بصوت عال مبتسما ” يا أمي… يا أبي ، تعالا هنا! “كانت هذه أسعد لحظة لإسحاق، حيث اكتسب القوة والأمل من طفله الصغير.

دور الجمعية القطرية للسرطان

 أقترح أحد الأطباء أن يأتي أخصائي اجتماعي ويتحدث إلى إسحاق بشأن الفواتير. زاره أحد المرشدين من الجمعية القطرية للسرطان وأخبره ألا يقلق بشأن موارده المالية إذا تجاوز علاج مايلز إمكانياته. انتهى الأمر بدعم  الجمعية العلاج الكيميائي لمايلز وكان يزوره  أعضاء الجمعية بانتظام وأحضروا له الألعاب. كما حرصوا على مواساة إسحاق وزوجته فيما يتعلق بعلاج ابنهم.

وجهة نظر

   يقول مايلز أن الحقن كانت مؤلمة لكنه يؤمن أنه بقي في المستشفى “لدقيقتين فقط”. كان قادراً على فعل ما يريد فعله في المستشفى، وكان يحب بشكل خاص  مشاهدة أ التلفاز لوقت أطول وكيفما يريد.

وفي حديثه إلى الأطفال الآخرين الذين مروا بما مر به، يصر قائلا: “لا أريد أن يكون لديهم يوم صعب. لا أريدهم أن يمضوا يوماً سيئًا. لا أريدهم أن يبكوا.”

قال تلك الكلمات بينما ظهرت ابتسامة كبيرة ومفعمة بالأمل على وجهه: “ستتحسنون جميعًا!”

الكلمات الأخيرة

 يقدم إسحاق الشكر والتقدير للجمعية القطرية للسرطان لوجودها مع عائلته في وقت اختفى فيه بعض الأصدقاء ، وأصبح لديهم القلائل، “ليأتي هؤلاء الرجال ويكونوا هم الأصدقاء”.

  يقول ان المساعدة جاءت من الأشخاص الذين لم يتوقع الحصول على المساعدة منهم، وفي الوقت نفسه لم تأت من أولئك الذين توقعنا أن تأتي منهم. فقد زارهم الأصدقاء مرة أو مرتين بأقصى تقدير، ثم توقفوا عن الحضور. وكانت العائلات التي تمر برحلات مماثلة لعائلته هي التي قدمت لها دعما مستمراً.

تعلم إسحاق قيمة العائلة خلال هذه الرحلة. لقد علم أنه مهما يكن، ستكون عائلتك دائما حاضرة من أجلك.

 يشجع إسحاق الآباء الآخرين الذين يمرون بمواقف مماثلة لما عانت منه عائلته للحصول على أمل وأن يكونوا أقوياء. وقال ان عائلته الكبيرة كانت تسانده وتدعمه، كما قامت بنفس الشيء لمايلز وزوجته وأنهم جميعا استطاعوا التغلب على المرض والانتصار عليه; لذلك فهو يريد أن يعلم الآباء الأخرين أنهم سينتصرون عليه أيضًا.

Share this post