“بين الألم والأمل: رحلة شيخة المناعي مع السرطان”

اسمي شيخة المناعي، أعمل كمقدمة برامج تلفزيونية وإذاعية. بدأت حياتي المهنية كمعلمة في عام 1995، ومن ثم شغلت منصب مديرة مدرسة حتى عام 2016. بعد انتهاء فترة خدمتي كمديرة لإحدى المدارس المستقلة، قررت السفر للخارج للاستجمام والبحث عن شغف جديد. لم أكن أعلم أن هذه الرحلة ستكون بداية لرحلة أخرى أكثر تحدياً في حياتي.

الاكتشاف الأولي للورم

أثناء إقامتي بالخارج، لاحظت وجود ورم في أعلى كتفي. في البداية، ظننت أنه مجرد كدمة نتيجة ارتطامي بجدار حمام السباحة قبل سفري. لكن عدم وجود أي ازرقاق جعلني أشعر بالقلق وأدفع نفسي لإجراء فحص ذاتي، وهي مهارة تعلمتها خلال الدورات الطبية التي حضرتها في السابق . شعرت بورم صغير يشبه الكرة تحت الجلد، لكنني تجاهلت الأمر لاعتقادي أنه سيختفي مع الوقت.

رحلة التشخيص

بعد مرور أربعة أشهر على ظهور الورم، قررت زيارة طبيب مختص بالموجات فوق الصوتية عند عودتي إلى قطر. رغم أن الورم تقلص بعد تناول الأدوية التي وصفها لي الطبيب، إلا أنه عاد للظهور مرة أخرى مما زاد من قلقي. لذلك توجهت إلى المركز الصحي الذي أحالني إلى مستشفى حمد. في اليوم التالي، تلقيت اتصالاً من المستشفى يطلب مني تحديد موعد لمقابلة طبيب مختص بالأورام.

الفحوصات والتحاليل

باشر الطبيب بفحصي سريرياً وأبدى اشتباهه بوجود ورم خبيث. سألني عن تاريخ عائلتي المرضي وما إذا كان لدي أطفال. بعد المراجعة الأولية، أحلت إلى قسم الجراحة لإزالة بعض الغدد اللمفاوية لإجراء التحاليل اللازمة. استغرق معرفة نتائج الفحص أسبوعين، كانت خلالها الأيام تمر ببطء وقلق. عند ظهور النتائج، تبين أنني مصابة بسرطان الثدي من الدرجة الأولى. شعرت بصدمة كبيرة، وبكيت ليس خوفاً من المرض ولكن خوفاً على والدتي، رحمها الله، لأنها كانت ستكون خائفة وهلعىً عليّ.

البداية مع العلاج

عند إخباري والدتي بنتيجة الفحص، لاحظت القلق البادي على وجهها. كان طبيبي سنداً كبيراً لي، وشرح لي أنني أحتاج إلى علاج كيماوي يليه علاج جراحي. أخبرني عن مراحل العلاج وما قد أواجهه من تحديات مثل فقدان الشعر والوزن. رغم الألم النفسي والجسدي، قررت التمسك بالأمل والإيمان.

الدعم العائلي والإيمان

بدأت العلاج الكيماوي في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان . كانت رائحة العلاج تسبب لي الغثيان وتجعلني أشعر بالتعب. كان والدي وطبيبي يرافقاني في كل جلسة علاجية، وينتظراني طوال فترة العلاج. بعد كل جلسة، كانوا يسألونني إن كنت أرغب في تناول الطعام، لكن العلاج كان يسبب لي الغثيان ولم أكن أرغب في تناول شيء. انتقلت للعيش مع والدي خلال فترة العلاج بسبب الأعراض الجانبية. كنت أتلقى العلاج كل 21 يوماً.

التحديات النفسية والاجتماعية

ما كان يؤلمني أكثر هو رؤية والدتي تبكي عندما أعود من جلسات العلاج، فقد كانت تشم رائحة العلاج الممزوجة برائحتي وتشعر بتغير طباعي. طلبت أن يتم تحويلي إلى مستشفى في  هيوستن لإكمال علاجي، حتى لا تراني والدتي في حالتي المرضية. رافقني أخي في رحلتي العلاجية، وكنت أحاول دائماً أن أظهر له قوتي حتى لا يشعر بالشفقة عليّ.

الحياة في هيوستن

اعتبرت الفترة التي عشتها في هيوستن من أجمل الفترات التي عشتها في حياتي، رغم تحديات المرض. لم أسكن مع المرضى في السكن المخصص لهم، بل في منزل بعيد عنهم لأنني لم أرغب في أن أشعر بالشفقة. ركزت على ممارسة الرياضة، والسباحة، والطهي، وإشغال نفسي بالأعمال المنزلية. كنت أستيقظ في الساعة العاشرة صباحاً وأبدأ يومي بتنظيف المنزل وغسيل الملابس. هذه التفاصيل الصغيرة كانت تعني لي الكثير وجعلتني أشعر بإنجاز عظيم بدلاً من الشعور بالأسى على نفسي.

تحديات جديدة

قررت في أحد الأيام أن أعيش بدون شعر مستعار مما صدم أخي عندما رآني. كان يبكي عندما غادر المنزل، لكنني أخبرته أنني تقبلت حالتي وأن هذا الأمر مؤقت وسوف تعود صحتي لما كانت عليه بعد تسعة أشهر. رغم الصعوبات، كنت أصر على أخي أن نخرج قبل جلسات العلاج للاستمتاع بالأجواء لأنني كنت أعلم أنني لن أستطيع القيام بأي شيء في اليوم التالي للعلاج.

الدروس المستفادة

خلال فترة علاجي، أدركت المعنى الحقيقي للعائلة وأهمية وجودهم بجانبي. كانت والدتي ووالدي يتصلان بي يومياً عدة مرات للاطمئنان عليّ. رغم قلق والدتي الشديد وتدهور صحتها النفسية، حاولت دائماً أن أظهر لها أنني بخير. هذه التجربة جعلتني أقرب إلى أبنائي وإخواني وأعطتني فرصة لإعادة تقييم حياتي.

بعد وصولي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تغيرت حياتي بالكامل. أصبحت أكثر إيماناً، ومواظبة على الصلاة وقراءة القرآن. أدركت أهمية الاستمتاع باللحظات البسيطة والابتعاد عن الحياة اليومية المليئة بالضغوط. تعلمت أن أخصص وقتاً لنفسي للمحافظة على صحتي وصلة بالله والاستشعار بالنعم الإلهية. التجربة أثرت على كل جوانب حياتي وجعلتني أنظر للأمور بشكل إيجابي.

الخاتمة

لقد مررت بتجربة صعبة، لكنني تعلمت منها الكثير. أدركت أن التوكل على الله يمنح الإنسان قوة غير عادية تساعده على مواجهة أي تحدٍ. أعتبر مرضي اختباراً من الله لرؤية صبري وقدرتي على التحمل. أصبحت أكثر تواضعاً أمام عظمة الله وأكثر وعيًا بقيمة الحياة والصحة والعائلة. الحمد لله على كل شيء.

Share this post