نادين البيطار : من قلب المحن تأتي المنح
“من قلب المحن تأتي المنح” عبارة تختصر رحلة الإعلامية اللبنانية نادين البيطار مع سرطان الكلى الذي تم اكتشافه في شهر مايو عام 2011، وكانت آنذاك تبلغ من العمر 27 عاما، فعلى الرغم من الخوف والذعر الذي شعرت به عند تلقيها خبر اصابتها إلا أنها لم تستسلم بل كانت على يقين أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه فتحلت بالصبر، وتسلحت بقوة إيمانها بالله، فجعلت من اصابتها بداية جديدة وفرصة لتنمية شخصيتها وذاتها.
بدايةً، لم يكن من السهل تقبل الخبر. اكتشفت نادين إصابتها بسرطان الكلى بالصدفة أثناء زيارة دورية للطبيب بسب ألم بسيط في الجهة اليمنى من الظهر، فبعد أن تم العثور من خلال التخطيط الصوتي (Ultrasound) على كيس في الكلى اليمنى طلب الطبيب بعمل تصوير مقطعي محوسب (CT scan) للكلى لتّأكد من نوع الكيس. اتبعت نادين تعليمات الطبيب وقامت بأخذ الصورة وانتظار النتيجة التي ظهرت بعد ساعة بينما كانت برفقة والدتها لتساندها. “شعرتُ وكأنما كانت أطول ساعة في حياتي وكانت خائفة جداً ومرتبكة ولم تتوقع أن يكون لديها سرطان الكلى”. لم تتوقع نادين أبداً أن يتم تشخيصها بسرطان الكلى حيث أنها كانت تعتبر نفسها آنذاك فتاة شابة تتمتع بصحة جيدة وتتبع نظام غذائي صحي وتمارس الرياضة ولا يوجد في عائلتها أي تاريخ مرضي لأي نوع من السرطانات. لم تكن نادين مهيأةً لتلقي الخبر إذ سمعت الطبيب خلسةً وهو يُبّلغ والدتها “أبنتك مصابة بسرطان الكلى ولابد من إجراء عملية لاستئصال الكلى اليمنى لكي لا يؤثر الورم على حياتها وينتشر”. للوهلةِ الأولى أصيبت نادين بصدمة كبيرة وشعرت بالخوف والذعر وبدأت بالبكاء فورَ سماعها للخبر وشعرت لوهلة أنها ستموت، وبالتالي قيد الخوف عليها وذكرت “كنت أتصرف عن غير وعي لأن الخبر كان صدمة بالنسبة لي في ذلك الوقت” فقمت فوراً بالاتصال على والدي وإخباره ثم أبلغت مديري في العمل كذلك لكي أبدأ إجازتي المرضية للعلاج.
بدأت نادين رحلة العلاج برفقة والدتها في لبنان، حيث قامت بعملية استئصال الكلى هناك. لم تكن العملية سهلة، فقد شعرت نادين بآلام شديدة بعدها وواجهت صعوبة في المشي في البداية فاضطرت أن تعتمد على والدتها في بعض الأمور وقامت باتباع إرشادات الأطباء بعدم السفر خوفاً من حدوث أي تجلطات في الدم التي قد تشكل خطر على صحتها، فبالتالي قضت نادين قُرابةَ شهرين بعد العملية في البيت لتّأكد من سلامتها و عدم حدوث مضاعفات للعملية و انقطعت نادين عن عملها و كانت تتمنى لو استطاعت الخروج من البيت حيث اعتبرت أن ذلك قد يساعدها في التخلص من التفكير الدائم بالمرض و الخوف من احتمالية عودة الورم مرة أخرى “إذا كنت في بيئة العمل أو مع الأصدقاء أو حتى استطاعت الخروج مع الأهل فهذا سيقلل من التفكير بالمرض و يلهي الإنسان يُشعره بأجواء المرح”. لم تحتاج نادين بفضل الله للعلاج الكيميائي حيث تم التأكيد أن الورم الخبيث الذي تم استئصاله مع الكلى لم ينتشر لأي عضو اخر في الجسم، ولكن بالرغم من ذلك تقوم نادين كل ستة أشهر بعمل فحوصات دورية لتأكد من صحة الكلى المتبقية ولتّأكد من عدم ظهور ورم آخر في أي عضو في الجسم.
عاشت نادين فترة اكتئاب قبل وبعد اجراء العملية، الا أنها لم تتجاوز الشهر لأنها استطاعت التغلب على هذا الشعور من خلال إيمانها وتحلّيها بالصبر، لأنها كانت تعلم أن هذا أبتلاء من رب العالمين. بالإضافة إلى ذلك فقد كان لعائلتها دور أساسي متمثلاً بدور الوالدين والأخ وكذلك باقي أقارب العائلة في مساندتها في تلك الفترة العصيبة، كما كان لأصدقاء نادين دور فعال في الدعم النفسي المستمر لها خلال فترة اصابتها من خلال حثها على التقرب إلى الله وقراءة القرآن والالحاح في الدعاء. قامت نادين بتعزيز علاقتها مع الأشخاص الايجابين والداعمين لها، ومن جهة أخرى حرصت على الابتعاد وعدم الاستماع للأشخاص السلبيين الذين كانوا يشعرونها بأنها عاجزة أو قليلة حيلة فقط لكونها مصابة بالسرطان، فمع الأسف قد يجهل البعض الأثر السلبي العائد على نفسية مرضى السرطان الذي يسببه تعامل البعض مع حالتهم الصحية بخصوصية شديدة وكأن حالتهم ميؤوساٌ منها.
استطاعت نادين على الرغم من الآلام والصعوبات التي واجهتها من خلال تجربتها مع سرطان الكلى أن تخلق فرص لتُحسّن ذاتها وتطور من شخصيتها من جميع النواحي. من الجدير بالذكر أن نادين تعرضت لحادث سير قبل ثلاث سنوات من اصابتها بالسرطان وكان حافزاً لها أن تراجع أفكارها وتُقدم على اعتناق الإسلام، وبعد اصابتها بالسرطان استطاعت نادين أن تتقرب من الله أكثر، وذكرت أن مرض السرطان اعانها على اتخذ قرار ارتداء الحجاب بعد تقريبا ثلاث سنوات والالتزام أكثر في دينها. كما ذكرت نادين “غيرت كثيراً من نفسي ومن طباعي ومن شخصية نادين واعتبرتُ أن هذه رسالة من رب العالمين يوجهها لي لتغير الكثير من نفسي ومن طباعي ومن أسلوبي في الحياة وفي تعاملي مع نفسي والآخرين”. علاوة على ذلك، لاحظت نادين أن تجربتها مع السرطان جعلتها صبورة أكثر وغيرت أسلوبها بالتعامل مع الابتلاءات التي واجهتها بعد السرطان، فبطبيعة الحال أصبحت تجد أي ابتلاء بعد ذلك أسهل بكثير مما واجهتهُ مع السرطان. وإما من ناحية الوعي الصحي، فقد أصبحت نادين مطلعة أكثر على صحة جسدها عامةً وكيف تحافظ على كليتها خاصةً من خلال البحث واتخاذ المعلومات من مصادرها، وأصبح لديها حرص وإحساس بالمسؤولية أكبر اتجاه المحافظة على صحتها من أجل عائلتها وحياتها العملية، كما عملت على نشر الوعي وحث الناس على أهمية المحافظة على صحتهم فقد ساهمت في اقناع البعض على الاقلاع عن التدخين بسبب ارتباطه بسرطان الكلى وغيره من السرطانات أو الأمراض.
وأخيراً، حرصت الإعلامية نادين التي تُعد سفيرة فخرية في الجمعية القطرية للسرطان ومن خلال عملها مع جمعيات أخرى على دعم مرضى السرطان من خلال فعاليات ومشاريع مختلفة لرسم الابتسامة على وجوههم.
ومن خلال تجربتها، تُرسل نادين رسالة لكل مرضى السرطان ألا ييأسوا فالحياة جميلة بكل تفاصيلها، وأضافت “أنتم مميزون عن غيركم لذلك رب العالمين أبتلاكم ، وإن شاء الله هذه مرحلة وستمر، والقادم أجمل”. وحثت على تقوية علاقتهم مع الله وأن يكون إيمانهم الداعم الأول لهم في رحلتهم، وأن يكونوا على ثقة بالله دائماً وأن يحرصوا على مخالطة الناس الإيجابين وإسعاد أنفسهم والابتعاد عن الحزن والتوتر لمحاربة هذا المرض. وختمت قائلة “بإذن الله ثم عزيمتكم ستجتازون هذه المرحلة وستكون بداية جديدة، وتذكروا رغم الألم يبقى الأمل”.
تحرير : أروى عجاج