“كنت أقوى من السرطان ” , هذه كانت أولى كلمات السيدة مروة عادل التي عبرت بها عن رحلتها مع سرطان الثدي .
عندما أردنا التعرف عليها وجدنا أنها سيدة شجاعة تبلغ من العمر 39 عاماً ، استطاعت أن تهزم سرطان الثدي بعد معركة استمرت لمدة عامين.
جاءت بطلة القصة إلى قطر في عام 2006، بعد زواجها في عمر الخامسة والعشرين. تتوج زواجها بإنجاب ثلاثة أطفال، وفي شهر إبريل لسنة 2014، بينما كانت منخرطة في الانتقال من منزل إلى آخر، وبعد يوم عمل مرهق أرادت الاسترخاء، وإذ بها تفحص ثديها ذاتياً، فتجد كتلة تشبه الكرة في الثدي الأيمن. وعلى الفور تناقشت في هذا الأمر مع زوجها الذي أوصاها بالذهاب إلى المركز الصحي للفحص والاطمئنان.
وهناك، أكد لها الطبيب أن كل شيء يبدو جيداً وأعطاها موعد أشعة في مستشفى حمد العام. ونظرا لقلقها ذهبت إلى مستشفى خاص لإجراء الفحوصات المطلوبة. وفي نفس اليوم، قامت بإجراء اختبارات معملية وتحليلية بالإضافة إلى تصوير الثدي بالأشعة، مع طلب بالعودة لمعرفة النتائج بعد يومين. وبعد يومين، أخبرها الأطباء أن التصوير الإشعاعي للثدي أظهر “شيئاً مبهما”، وحتمية أخذ خزعة من هذه الكتلة.
لم تنزعج السيدة مطلقاً من الخزعة. تقول: “لم أكن متألمة، ولم يكن هناك أية أعراض. ولكن بدأت تشعر بالألم في موقع الخزعة بعدها. وفجأة ” صار الألم لا يطاق، وكان عليّ أن أنتظر أسبوعاً واحداً لمعرفة نتائج الخزعة”.
” تقول مروة عادل، قبل ثلاثة أيام من موعد المتابعة، اتصل بي الطبيب للحضور والتحدث معه. أدركت حينها أن النتائج قد ظهرت ولا بد أن الأمر خطير”. ذهبت إلى الطبيب في صحبة زوجها. لم تكن تعرف ما أسفرت عنه التحاليل والنتائج ولم تكن تتوقع ما الذي سيقوله الطبيب ولكنها كانت لا تريد سماعه. وفي النهاية نطق الطبيب قائلاً: “إنه سرطان”.
كان رد فعلها الفوري عند تلك النقطة هو ما طبيعة السرطان: “ماذا يعني هذا؟ هل الورم حميد أم خبيث؟”. أجاب الطبيب بأنه “خبيث”. توقفت عن إبداء أي رد فعل بعد ذلك، ولم تسيطر على مشاعرها المتدفقة. قبض زوجها علي يديها بإحكام على نحو لم تكن لتنساه، في محاولة لتهدئتها وإعادة السكينة إلى قلبها. سأل زوجها الطبيب ما الخطوة التالية؟ أجاب: هناك حاجة إلى اخذ خزع للتحليل المخبريّ وتحديد حجم الورم. وقد تم ذلك في نفس اليوم.
حجز لها الطبيب موعد لإجراء الجراحة في الأسبوع التالي. وخلال الأيام التي سبقت الجراحة، بدأت رويدًا رويدًا تتقبل التشخيص وما جلبه من صدمة تقول “انطلق لساني بالحمد والاستغفار طوال الوقت وقلت “تقبلت مصيري يا رب…تقبلته” وكنت أقضي المزيد من الوقت مع أطفالي وهم يلعبون معي ويقبلونني، وكأنني لن أراهم مرة أخرى بعد الجراحة”.
أثناء الجراحة أزال الأطباء هذه الكتلة القاسية: وعرفت أن حجمها كان: 3سم وبها حوالي 14 عقدة لمفاوية إبطيه. كما أجريت جراحة إعادة بناء للثدي، وخرجت في اليوم التالي. أخبرني الأطباء أنني سأحتاج إلى علاج كيميائي. وبما أن تكاليف العلاج الكيميائي كبيرة في المستشفيات الخاصة، فقد أحالني الأطباء إلى المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان لمواصلة العلاج.. وبحلول ذلك الوقت، توصلت إلى قبول كامل للتشخيص وغرست في عقلي الباطن أنه مثل أي مرض، وأن الجميع معرضين للخطر، حيث قد يصابون بهذا المرض وبعون الله يشفون منه”.
بدأت العلاج الكيماوي بالمركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان. وحضرت 6 جلسات مكونين من نوعين مختلفين من العلاج. وقبل البدء بالعلاج الكيميائي، أبلغني الطبيب أنني سأفقد شعري، وكانت إجابتي الفورية لا بأس، فأنا لا أهتم بشعري”. قبل مباشرة أول جلسة قررت قص شعري، وحتى هذا اليوم أحتفظ بشعري معي. في الليلة الأولى بعد أول جلسة علاج كيميائي لي، كنت ألعب بشعري القصير ولاحظت أنه يتساقط فقررت حلاقة رأسي بالكامل. وكنت أقول: “سوف يعود شعري إلى النمو بل وسيكون أفضل من ذي قبل. لم أشعر بالحزن إزاء هذا”.
أنهيت آخر جلسة علاج كيميائي في ديسمبر من نفس العام. وبعد ذلك اكتشفت وجود ورم جديد في نفس مكان الورم القديم. فتمت إحالتي إلى طبيب جراح في مستشفى حمد العام. وبعد مراجعة السجلات، أخبرني الجراح أن يحتاج إلى إزالة الثدي بالكامل، وزراعة آخر. ثم بدأت العمل في ذلك الاتجاه. وبعد الجراحة الثانية، أخبرني الطبيب أنه نظراً للطبيعة العدوانية للورم، فإن الثدي الآخر غير المصاب يحتاج إلى الإزالة الوقائية. فأجريت جراحة ثالثة، ثم تقرر إجراء جراحة رابعة لزراعة ثدي. وبعد ذلك بدأت جلسات العلاج الإشعاعي.
تكون العلاج الإشعاعي، من 36 جلسة. ولذلك كنت أخضع يوميًا إلى جلسة علاج إشعاعي باستثناء عطلة نهاية الأسبوع. وبعد جلسة العلاج الإشعاعي الثانية أو الثالثة، بدأ الثدي الصناعي الجديد في الالتهاب، مع خروج الكثير من القيح. فذهبت إلى قسم الطوارئ، حيث أخبروني أنني قد أكون مصابة بعدوى من داخل المستشفى، ولذلك أمضيت داخل الحجر الطبي 10 أيام. وخلال هذه الأيام العشرة، استمرت سيارة الإسعاف في نقلي من الحجر الصحي إلى المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان- لتلقي العلاج الإشعاعي. وبعد عشرة أيام من الحجر الصحي، انتقلت إلى المدينة الطبية، واستمررت في تلقي العلاج لمدة شهر ونصف.
وبما أن الثدي الصناعي الجديد أصيب بالعدوى، فأوصى الطبيب بتغييره إلى أخر من السيليكون. ولكن حتى بعد تغيير الثدي الجديد، أصبت بالعدوى مرة أخرى. ولكن حالة الإصابة الثانية كانت أكثر حدة، ولذلك بقيت في المستشفى لمدة شهر. أخبرتني الدكتورة أن جسمي لا يتقبل قطع الغيار الصناعية ولذا لا بد من إزالة الثدي الجديد. ثم خضعت لعملية جراحية أخرى لإزالة الثدي السليكون، ولم يتم وضع أي شيء آخر. استمرت هذه الحالة حتى نهاية عام 2016، وأصبحت على خير ما يرام منذ ذلك الوقت.
خلال فترة المصاعب، يكون الحصول على الدعم من الأشخاص المقربين أمراً بالغ الأهمية، وفي بعض الحالات، قد يكون المريض هو الذي يقدم الدعم للأشخاص القريبين منه. ومن حسن حظي أنني تلقيت دعم والديّ كما قمت أنا بدعمهما. فقبل أن تبدأ جلسات العلاج الكيميائي، عملت على استقدام والديً لزيارة قطر. ولم يكن لديهما أي علم بنتيجة التشخيص في ذلك الوقت. ولكن قبل البدء بالعلاج الكيميائي مباشرة، أبلغت أمي. وكانت مصدومة للغاية، لعدم إصابة أي من أفراد الأسرة بهذا المرض فضلاً عن إصابتي به في سن صغيرة. وكنت أنا من يخفف من مخاوف أمي ويحد من قلقها. وعلى نفس النحو، حضرت أمي معي أول جلسة علاج كيميائي لتدعمني. ولقد صُدِمت والدتي بقوة شخصيتي وصبري وإصراري على التحمل. فكانت تسأل “من أين حصلت على هذه القوة؟”.
كما كان لزوجي فضلًا في دعمي ورفع روحي المعنوية. لقد دعمني طوال فترة مرضي وكنا قريبين لبعض جدًا. وأظهر لي قدراً كبيراً من الحب، وأنا مدينة له بكل ما وصلت إليه”. بعد جلسات العلاج الكيميائي، كنت أشعر في بعض الأحيان بالإرهاق والألم. فكنت أري زوجي يبكي منفرداً بعيدا في الزاوية، رغم أنه يتصرف بخشونة أمامي. فكنت أروي له بعض النكات حتى يتحسن مزاجه وأظهر إني قوية. يقول زوجها عن هذه الأوقات: ” كنتي أنت من تدعمينا وتخففي عنا، ولسنا نحن” أصبحت علاقتنا الجديدة أفضل ولذلك أصبح من الصعب عليً أن أتصرف بصورة تضايقه أو تؤذيه.
بعد انتهاء كل هذه الرحلة، فتحت صفحة جديدة في حياتي. وتغيرت كثيراً وأصبحت شخصاً مختلفاً. لم أكن من قبل حريصة على العمل أو الحصول على وظيفة ولكني الآن أعمل. كنت أقضي معظم وقتي في المنزل، ولكني الآن أصبحت أكثر تفتحاً وصرت اصطحب أولادي لكثير من الأنشطة الجماعية لم تنهز ثقتي ويقيني بالله؛ وأصبحت إليه أقرب. “لقد غيرت أسلوب حياتي إلى الأفضل. لا ينبغي لأي شيء في الحياة تدمير حياتي. حتى لو حدث ما هو محزن، لا بد وأن يبدله الله إلى الأحسن والأسعد. لن أسمح لنفسي بالحزن.