محمد شعبان: بالصبر والإيمان أنا متعايش مع السرطان
محمد شعبان : رجل خمسيني يبلغ من العمر 55 عامًا ، اعتاد طوال سنوات عمره السابقة اتباع نظامًا غذائيًا صحيًا مصاحباً لنظاماً رياضياً ، لديه مزرعة منزلية صغيرة يزرع بها أنواع مختلفة من الفواكه والخضروات، وذلك لما تحظي به هذه المزروعات من فوائد واسعة لصحته وصحة أسرته. فعلى سبيل المثال، يزرع محمد شجرة المورينغا بمزرعته ؛لما لها من فوائد طبية فهي تقلل نسبة السكر في الدم ولها تأثير مضاد للالتهابات والأكسدة
وصف محمد شهر مارس 2017 بأنه الوقت الذي “سقط فيه”، والذي بدأ بإمساك خفيف، ونسبه في وقتها إلى تناول الرمان؛ ولكن استمرت أعراض الإمساك لمدة 10 أيام، فقرر تناول أدوية مسهلة، لكن حالته لم تتحسن. وبدأ القيء في الظهور، وكان شديدًا مما أدى إلى شعوره بالإعياء والتعب الشديد. أدى تراكم كل هذه الأعراض إلى عدم قدرته على المشي، ومن ثم استدعى سيارة الإسعاف على الفور
أجري محمد الكثير من الفحوصات. فخضع للتصوير المغناطيسي والأشعة المقطعية، مما أوضح احتمال إصابته بسرطان القولون (المرحلة الثالثة). لم يتخيل محمد هذا التشخيص أبدًا، فجل ما جال في خاطره هو أن تعود هذه الأعراض إلى أمراضٍ عابرةٍ يمكن القضاء عليها بسهولة ولن تستمر أكثر من بضعة أيام .
انتقل إليه الخبر بأساليب على درجة عالية من الود واللطف، بعيدًا عن والديه كما طُلب. وبمجرد استماع محمد إلى التشخيص، تراءى في ذهنه على الفور الجراحة وما يتبعها من مضاعفات. كان شعبان مهيأً لمواجهة الصعوبات التي جلبها له مصيره فصاح قائلاً :”سرطان؟ لا يهمني ذلك” عندما سألته عما شعر به حين أخبره الطبيب عن حالته والتشخيص وكيفية إدارة المرض . أثبت “محمد” على أرض الواقع أن كل شخص لديه القدرة على التغلب على المرض فور تعلمه كيفية التعامل معه. كان “محمد” متواصل التفكير في المضاعفات التي يمكن تجنبها؛ فأحد هذه المضاعفات التي كان يرهبها هي وجود كيس القولون ، والذي يُوضع مؤقتًا حتى يُعاد الاتصال بين القولون والمستقيم. لقد كان محمدٌ قلقًا وجلاً من نظرة أصدقائه وعائلته إليه ومن وجود كيس خارجي للبراز. لقد ظن أن هذا قد يضعف صورته أمام الجميع
. تواصلت المناقشات لفترات طويلة حتى قرر الطبيب أهمية التدخل الجراحي العاجل لأن المريض يعاني من انسداد في الأمعاء، مما قد يؤدي إلى عواقب مميتة. حاول الطبيب إدخال أنبوب ليتخلص من جميع السموم المتواجدة داخل البطن، لكنه لم يتمكن من ذلك.
وفي ذات اليوم، وصل جراحٌ آخر إلى قطر واستُدعي إلى غرفة العمليات. صمم هذا الجراح على عدم مغادرة غرفة العمليات حتى يتمكن من إدخال الأنبوب. وصفه “محمد” بأنه هذا الطبيب من النوع الذي يثق ويؤمن بإرادة الله، فاستطاع إدخال الأنبوب دون أي مضاعفات على محمد. قال محمد “كانت جميع المضاعفات المترتبة على هذا الأمر كارثية لولا لطف الله وقدرته”، موقناً بأنه في طريقه إلى التحسن والشفاء.
استغرقت عملية إزالة السموم من جسده قرابة الساعة والنصف . شعر بعدها بتحسن وراحة. تم استئصال نسبة 80٪ من القولون والعقد الليمفاوية المحيطة.
وصف “محمد” هذه الأيام بأنها مثل رحلة تعبر خلالها الأطلسي وما به من مدٍ وجزرٍ ، ولكنها مرت بسلام وأمان في نهاية المطاف . ومع ذلك، ومع انتهاء هذه المعركة، نشأت معركة أخرى لاحقة، وهي رحلة العلاج الكيميائي. كانت أثار العلاج الكيميائي شديدة ومرهقة. عاني “محمد” من الإسهال ، وفقدان الوزن – حيث خسر 20 كجم. ومع ذلك ، شعر بالارتياح لأنه وصل إلى حالة من الفوز في معركته ضد السرطان ؛ الآثار الجانبية لم تكن مهمة لأنه اجتاز عاصفتين من عواصف السرطان ، وهما الجراحة والعلاج الكيميائي. كان يعلم أنه وصل إلى خط الفوز بإرادته. لم تتخلى أسرة محمد وعائلته وأصدقائه عنه خلال هذه الفترة، فكانوا على درجة ملحوظة من التفهم والرقي. على الرغم من شعورهم داخلياً بأن السرطان وصمة عار، إلا إنهم جميعاً تغيروا وتقبلوا الأمر ؛ لقد ازداد تقبلهم لمرض السرطان مع الوقت وأصبح – بالنسبة له – مماثلاً لأي مرض آخر يمكن علاجه، ينبغي على الجميع ألا يعتبر السرطان نهاية لحياة المرء.
أصيب “محمد” بفتق في البطن بعد ثمانية أشهر من الجراحة. سعى للعلاج واكتسب المزيد من القوة لمواجهة هذه المضاعفات الجديدة. فبحث عن العلاج البدني والنفسي معا. فهو “لم يفقد الأمل أبدًا”، استطاع “محمد” اجتياز هذه الرحلة المروعة وما استدعته من محاربة السرطان والتغلب على مضاعفاته.
كان السرطان “ضيفًا مباغتا”، ولكن مثل أي ضيف آخر، يستلزم منك تقديم واجب الضيافة والترحيب به. وبالتالي ينبغي للمرء – خلال هذه الرحلة – أن يتحوط بأسرته وأصدقائه الداعمين له ، فهم من يجلبون له مشاعر الفرح والسعادة ، وهم نفسهم من يعطون له القدرة على احتضان هذا المرض بدلاً من السماح له باستنزافه. لا تسمح لهذا المرض بالسيطرة على حياتك واعتباره مرضًا مميتًا، فالضربة التي لا تميت تقوي ، فالسرطان بداية لحياة جديدة وليس نهاية.
انطلقت مبادرة “خطوة الأمل” بالتعاون بين الجمعية القطرية للسرطان والمركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان ، والتي تهدف لدعم المتعايشين مع السرطان بشكل عام والتأكيد على أن السرطان يمكن الشفاء منه ويمكن للمرضى ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، إلى جانب التأكيد على أهمية الدعم النفسي والمجتمعي لهذه الفئة لجعل فترة المرض وما بعدها أسهل، وكذلك أهمية إتباع نمط حياة صحي متمثل في ممارسة الرياضة والغذاء الصحي للوقاية من الأمراض لاسيما السرطان.
حيث قمت خلال هذه المبادرة بقطع حوالي 555 كم مشياً كمرحلة أولى ومن ثم استكمال الجولة لقطع 2022 كم كهدف لاحق وتم اختيار هذا الرقم بمناسبة استضافة قطر لمباريات كأس العالم 2022 حيث اسعى إلى قطع ما يقرب من 25 كم يومياً بمعدل خمس ساعات
. وأود التأكيد بأن هذه المبادرة فرصة لتعزيز دور النشاط البدني في الوقاية من الأمراض لاسيما السرطان تماشيا مع رؤية الدولة 2030 للارتقاء بصحة الإنسان ، إلى جانب التأكيد على العلاقة الوثيقة بين السرطان والحالة النفسية والتي قد تسهل أو تمنع العلاج. وفي الختام، أود أن أوجه شكري وامتناني للجمعية القطرية للسرطان لتبنيها لخطوة أمل التي تعتبر المبادرة الأولى من نوعها في العالم، ولكل ما يبذلونه من جهد ودعم متواصل.