روجر ويكهام بعد ثلاث أعوام من التعافي:
هدفي استكمال 5 معزوفات موسيقية بمرور 5 سنوات من التعافي
ركز في العلاج وتجنب القلق .. سوف تُفاجئ بمدى قدرتك على البقاء
علاقاتي الطيبة مع الأخرين أعطت معنىً لحياتي
توقفت عن الاهتمام بالصغائر وركزت على أن أكون مع من أحب
روجر ويكهام، موسيقي يعزف على الساكسفون والناي ويؤلف التسجيلات، يبلغ من العمر 50 عاماً، رغم أصلة البريطاني إلا أنه اتخذ مدريد موطناً له، انتقل إلى الدوحة مع زوجته المحبة وطفليه قبل خمس سنوات. أعرب روجر عن سعادته بالحياة داخل الدوحة قائلاً “نحن كعائلة سعداء للغاية، نجتهد في عملنا ونستمتع بعطلاتنا”.
عاش طوال حياته بصحة طبيعية حيث يمارس تمارين اللياقة والسباحة والركض، لم يسبق له التدخين، جل ما يشغله من الناحية الصحية هي تلك الزيادة التدريجية في وزنه والتي أرجعها إلى تقدم العمر.
تحمس روجر كثيراً لرواية قصته لمرضي السرطان قائلاً: “إذا كان الأمر يتعلق بمساعدة المرضى الآخرين، فلن أتواني عن ذلك، إنني على أهبة الاستعداد لمساعدة المحتاجين!”.
يؤمن روجر بأهمية وجود شخص ما يتحدث ويتواصل معه لأنه يذلل كثير من العقبات والصعوبات.
“رويت قصتي للمختصين بالجمعية القطرية للسرطان ليستفيد منها الجميع، ولتكون نبراساً مضيئاً لهؤلاء المرضى الذين يعانون مما عانيت منه، إِن بَهْجَة الْعَطَاء تَفُوْق لَذَّة الْأَخْذ “.
عندما تم تشخيص روجر بالسرطان، قال أنه يعرف أشخاصاً أصيبوا بنفس المرض، وبمجرد أن تحدث إليهم رأى أثراً فارقاً في حياته، استطرد روجر في حديثه قائلاً “لقد حولت كافة السلبيات إلى إيجابيات وكافة الخسائر إلى مكاسب ، خضت التجربة وخضعت للعلاج الكيميائي، كان لدي فرصة في الشفاء مما يعني إنني محظوظ”.
أريد أن أرد قليلاً من المعروف لمحاربي هذا المرض في كل وقت وحين بشجاعة وثبات.
مع اقتراب نهاية عام 2015، راجع روجر طبيبه العام يشكو من التهاب في الحلق دون أي أعراضٍ أخري، كان الجانب الأيمن من عنقه “متورماً قليلاً”. وصف له الطبيب المضادات الحيوية المعتادة وطلب منه مراجعته في غضون أسبوع إذا استمر هذا التورم ،بعد مضي الأسبوع سريعاً، راجع روجر الطبيب، فلم يعد هناك التهاب بالحلق كما كان، إلا أن عنقه ظلت متورمة. بدى القلق على الطبيب لأنه من غير المألوف ألا يزول التورم، قام الطبيب الذي يصفه روجر بأنه “رائع” باستشارة زملائه وطمأن روجر وأخبره أنه قد يُصنف كحالة اشتباه في السرطان وأن عليه زيارة قسم أشعة الموجات فوق الصوتية خلال 2-4 أيام..
وبعد مرور أسبوع، خضع روجر في مستشفى حمد العام لسلسلة من الفحوصات الطبية، ويصف ما مر به تفصيلياً قائلاً: “بداية التشخيص السليم”، تم عمل خزعة من الورم في عنقه وخضع لعمليات فحص واختبارات دم دقيقة ، كان من أسباب رضا روجر وسعادته مراجعته لطبيبه الأول كونه وضعه على الطريق الصحيح مبكراً ، حيث أدرك مدى أهمية التشخيص المبكر وذلك بعد أن خضع لعملية جراحية والعلاج الكيميائي والإشعاعي. كانت عملية انتظار التشخيص هذه “أصعب شيء” خلال رحلة مرضه “على حد قوله”، فالجهل بما تعاني شعور مرعب، حيث لا يمكنك التعامل مع ما تجهل. فعدم تحديد ما تعانيه سواء كان كيس أو خراج أو سرطان، فلا راحة مع هذا الشعور” بالطبع” ، فلا يستطيع أي من الأطباء إخبارك بما تعانيه، لا أحد منهم استخدم كلمة السرطان معي مباشرة، لكن تلك الأسابيع الستة كانت مروعة، يستغرق الأمر وقتًا طويلاً للتأكد من المرض أو على الأقل كما يبدو الأمر كذلك – مع قضاء أسابيع في انتظار الاختبارات وانتظار النتائج وإجراء اختبارات متتابعة، أخذت عينه من ورم الحلق وهو تحت التخدير العام. كان عليه أن ينتظر هذه النتائج، وبعد ذلك خضع لفحوصات مسح بالتصوير المقطعي البوزيتروني. ” إن لم يكن لديك سرطان، فهذه الكلمة قد تعني لك الموت” ، كان شعوراً مرعباً بانتظار معرفة ما إذا كان هذا السرطان أم لا .
كان يوماً عصيباً ذلك الذي تلقى فيه تشخيصه الذي أنهكه الانتظار في سبيله ، ومع ذلك علم أخيراً ماهية ما يعانيه ” كما قال ” ، استغرق الأمر مني يومين حتى استوعب هذا ، تلقيت كل الدعم من خلال التحدث إلى أشخاص عانوا نفس المرض، كما تحدثت إلى الأطباء وأخبروني عن أشخاص آخرين تعافوا من هذا المرض، وأولئك الذين خضعوا لنفس العملية والآن يواصلون حياتهم بسعادة ، كان تركيزي منصب على العملية وما سيتبعها، كان لهذا التفكير أثر إيجابي في تخفيف حدة القلق لدي في هذا الشأن، فقد أنقذني ، تحول موقفه من الصدمة والشعور بالضياع ” كونه مصاباً بالسرطان” إلى الاعتقاد بأن مرضه هذا قابلٌ للعلاج” على حد وصفه “، لقد أدركت أنه يمكنني النجاة ، فهذا ليس الموت الحتمي ، بدأت أرى ذلك في الواقع بدلاً مما اعتقدته سلفاً”.
قام روجر على الفور بإخبار زوجته، وذكروا لأطفالهم بعض التفاصيل كونهم كبار بما يكفي لمعرفة ذلك “إنه لأمر خطير للغاية، ألا نخبرهم به”!، بصفتك أحد الوالدين، عليك أن تكون صادقًا مع أطفالك قدر الإمكان. خلال الأسابيع التالية، أخبر روجر بقية أفراد عائلته بما أصابه، وكذلك الأشخاص القريبين منه، كان الخوف يقل كلما تحدثت عن ذلك مع أحد ، في النهاية بدأت أتحدث مع الناس عن حالتي لأن هذا جعلني أشعر بتحسن . يؤكد روجر على أهمية الدعم المقدم من الأصدقاء والعائلة خلال الأوقات الصعبة “كونك تحمل أثقال العالم على كتفك وحدك وتنزوي جانباً وحيداً ” ، هذا أسوأ ما قد تعانيه، جميعنا بحاجة إلى التحدث “على حد قوله”.
بروح متفائلة حاول روجر البحث عن شيء إيجابي خلال تلك الأوقات الصعبة “لقد أجريت محادثات رائعة مع الأصدقاء والعائلة الذين لم أتحدث معهم منذ فترة طويلة، مهما كانت الحالة الصحية فقد صححت مسار علاقاتي مع الأخرين على الأقل .كان روجر حريصاً على إعادة التواصل مع الأشخاص الذين يهتم بشأنهم، حيث قال “إذا حدث لي مكروه فقد أردت أن أخبر الجميع أنني أحبهم لا أريد التراجع، أدركت أن علاقاتي الطيبة مع الأخرين هي التي تعطي معنىً لحياتي، لقد توقفت عن الاهتمام بأشياء سخيفة في الحياة وركزت على أن أكون مع من أحب. من الملاحظ أن هذه المحادثات ساعدته كثيراً من الناحية النفسية أكثر بكثير مما كان يدركه في ذلك الوقت ، لم يشعر أبدًا بالغضب أو الإحباط من تشخيصه كونه مريض سرطان، حيث أخبر نفسه أن لا أحد يستحق الإصابة بمرض السرطان، فالحياة عبارة عن حقيبة مختلطة تأتي مع الكثير من المشكلات الصغيرة والكبيرة، لا يمكن أن نغضب من المشكلة فحسب ونأمل أن تختفي وحدها، يجب عليك التركيز على كيفية التعامل معها “.
بعد شهرين من تشخيصه، خضع روجر لعملية جراحية في فبراير 2016 ، ويقول أثناء العملية “إنه لأمر مرعب أن تستلقي على عربة ويأخذونك إلى غرفة العمليات”، والشيء التالي الذي يتذكره هو الاستيقاظ في وحدة العناية الفائقة تحيط به الآلات، مع أنابيب موصلة في كل جزء من جسده، كان أمراً مخيفاً ، ولكن بشكل عام، كان سريع جداً في الواقع، وهذا هو الشيء الجيد في النظام القطري، ثمة الكثير من الآلات وكل شيء حديث علاوة على الجراحة، تلقى روجر أيضاً جلسات علاج كيميائي وإشعاعي. كان العلاج الكيميائي “قاسياً”.
مر روجر خلال هذه الفترة بأوقات لم يكن يستطيع خلالها تناول الطعام أو الشراب وكان يُطلب منه البقاء في المستشفى لمدة 3 أسابيع ، يصفها روجر “بالأيام العصيبة” ، كان الوقت يمر متثاقلاً، رأسي وجسدي يؤلماني، لم أستطع النوم أو الاستمتاع بالموسيقى ، وكان يستغرق في التفكير ، “حسنًا” يجب علي فقط أن أتعامل مع هذا، كنت أعلم أنني أخوض معركة ولن تهزمني ، طوال تلك الأوقات العصيبة، كان يقول “تعرف على نفسك، وعلى شخصيتك من جديد حينما تعرف أن الموت يباغتك “.
على الرغم من نظرته الإيجابية وعزيمته القوية، يتذكر لحظات ضعف مرت به “يتلاشى كل شيء من حولك، تشعر بالوحدة عندما تبدأ في التفكير أن الناس من حولك سوف يستمرون في العيش بينما تنتهي قصتك أنت”.
ويحكي يومًا مجدداً أثناء دخوله المستشفى حيث إنهار بعد رؤية زوجته، ومرة أخرى ساعدته المحادثات الإيجابية مع الناس على التغلب على هذه المشاعر ، وحسب قوله “لم يكن ما قاله الناس له هو العامل المحفز على ذلك وحده، بل إحساس الحب والتعاطف الجماعي الذي جلبته هذه المحادثات له مما ساعد على رفع معنوياته “، على الرغم من أنه عانى لحظات صعبة إلا أنه كان ممتنًا لتلقي العلاج والتفاعل، كان “ممتنًا لكونه حيًا”.
لا يعتبر روجر نفسه أكثر شجاعة من غيره، “يقول الناس أنني شجاع ” ولكن الأمر ليس كذلك فمجبر أخاك لا بطل، فليس الأمر كما لو أنني اخترت الدخول إلى مبنى محترق لإنقاذ شخص ما، لقد استيقظت في المبنى المحترق نفسه وأنا بحاجة للخروج، إنه نوع مختلف من الشجاعة”. يصف رحلته بأنها “جهد جماعي” “لم أقم بذلك بمفردي على الإطلاق، كنت بحاجة إلى زوجتي وأطفالي والممرضات والأطباء والعاملين في العلاج الإشعاعي والسكرتارية والموظفين الإداريين – كنت بحاجة إلى الجميع، قد تتذكر كل هؤلاء الناس، كأشخاص عابرين في حياتك، في إيماءات بسيطة كأشخاص يحيونك أو يسألونك كيف حالك”. يحكي روجر كيف قابل في غرفة الانتظار لجلسات العلاج الإشعاعي أشخاصاً آخرين يعانون من مرض السرطان في أجزاء مختلفة من جسمهم – كسرطان الدم والعظام والثدي وما إلى ذلك، جميع الفئات، الأطفال، السيدات، العجائز والشباب، بعض الناس يجلسون على كراسي المقعدين، بينما يمشي آخرون متكئين على أحد ذويهم ” يمكن أن تقابل أي شخص”، يتذكر روجر التفكير في ذلك الوقت، وهو يصف الشعور بالتضامن مع هؤلاء الأشخاص الذين كان لتفاعلاتهم القصيرة والمتكررة معنىً عميق، تبدأون في تكوين صداقات ومساندة بعضكم البعض. بعد كل شيء، إنها إرادة داخلية بقدر ما هي إرادة جسدية”.
حتى بعد تلقيه أول خبر كونه “أصبح خالياً من السرطان”، فقد استغرق الأمر شهوراً كي يتأكد من عدم عودة المرض والعودة لتكرار هذه التجربة مرة أخرى ، “لم أتوقف عن التفكير لأكثر من يوم أو أسبوع على أقصى تقدير، فقد كان من الصعب التوقف عن الشعور كوني “مريضاً” ، “في البداية، فأن أي احتقان ولو بسيط في الحلق قد يسوقنا إلى القلق وقضاء ساعات في الفحص” ، ولكنه تغلب تدريجياً على هذه الغريزة من خلال تذكير نفسه بأنه بخير والاستمتاع بالحاضر.
أكمل روجر اليوم ثلاث أعوام من التعافي وألف تسجيلين موسيقيين خلال هذه الفترة، وهدفه هو استكمال مجموعة من 5 تسجيلات بحلول الوقت الذي يكمل فيه “5 سنوات من التعافي”. يتمنى أن تكون هذه أفضل 5 سنوات من حياته. يقول روجر إنه بمرور الوقت يتعلم الاسترخاء والعيش مرة أخرى. مع كل يوم يمر، يتلاشى معه القلق ، كما أن حياته تعود ببطء إلى ما كانت عليه من قبل، من السهل أن تشعر بالقلق من الأشياء السخيفة التي لا تهتم حقًا بها ، ومع ذلك فهو لا يرغب في نسيان تجربته كلياً كونه كان على حافة الموت ، “إن ذلك يذكرني بأنني شخصٌ محظوظً ” ، ولا أريد أن أنسى ذلك أبدًا.” لقد غيرت تجربة روجر كثيرًا من الأمور في حياته من نواحي كثيرة، عدت إلى حياتي، ولكن بعدة سبل صغيرة، أصبحت شخصاً مختلفاً، فأنا أعي حياتي الآن تماماً ، زوجتي وأطفالي ، أعي عالمي الحاضر وأعيشه وحده فقط دون قلق .
تتركز نصائحه لأي شخص أصيب مؤخراً بالسرطان: “تلقى بصدر رحب كافة أنواع الدعم لأنك تحتاجه وتستحقه. يحث روجر الناس على الاستفادة من الموارد العديدة التي تقدمها الجمعية القطرية للسرطان. “لا تقل أنها ليست مشكلة كبيرة، إنها كذلك ، لا تتحرج من التحدث مع أصدقائك وعائلتك، نحن جميعاً بحاجة إلى المساعدة، نحن جميعاً بحاجة إلى دعم الأخرين لنا ، سيكون الأمر صعباً لكن يمكنك مواجهة ذلك ، لا تجعل الخوف يسيطر عليك، ثمة الكثير من يعانون من ذلك وأنت واحد منهم . ركز كل تفكيرك على علاجك وتجنب القلق حيال أي شيء آخر. سوف تُفاجئ بمدى قدرتك على البقاء، تغذى جيدا، وعش جيداً”.